recent
أخبار ساخنة

ماذا يمنع العراق من محاسبة تركيا أمام مجلس الأمن؟

الصفحة الرئيسية


 بعد تهديداتها باللجوء إلى مجلس الأمن في أعقاب مقتل مدنيين عراقيين بفعل قصف تركي، تواجه بغداد جملة من التحديات داخلياً وخارجياً لانتزاع قرار تحت المظلة الدولية ضد جارتها أنقرة، وسط ترجيحات بتغليب "الدبلوماسية" على خيار التصعيد الذي يطالب به الشارع العراقي الغاضب.


وشهدت المدن العراقية موجة احتجاجات تطالب باتخاذ إجراءات "عقابية" ضد أنقرة رداً على مقتل 9 مدنيين عراقيين وإصابة أكثر من 20 آخرين بينهم نساء وأطفال في قصف مدفعي للجيش التركي طاول منتجعاً سياحياً قرب الحدود بين البلدين في قضاء زاخو بإقليم كردستان يوم الأربعاء الماضي، حيث يشن منذ أبريل (نيسان) الماضي عملية عسكرية لضرب معاقل مسلحي حزب "العمال الكردستاني" في المناطق الجبلية داخل الحدود العراقية.


ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في بيان اليوم الجمعة القصف بـ"المميت"، ودعا إلى "إجراء تحقيق سريع وشامل لتحديد الملابسات المحيطة بالهجوم وضمان مساءلة مرتكبيه"، وجاء الموقف الأممي بعد ساعات من إعلان الخارجية العراقية تسليمها السفير التركي في بغداد علي رضا غوناي بعد استدعائه "مذكرة احتجاج شديدة اللهجة بسبب الجريمة النكراء التي ارتكبتها القوات التركية". وشددت على أن "للعـراق الحـق فـي اتخاذ كـل الإجراءات التـي كفلتهـا المواثيق الدولية، وعليه يطالب بانسحاب القـوات التركية مـن الأراضـي العراقية".

وتواجه حكومة "تصريف الأعمال" التي يترأسها مصطفى الكاظمي ضغوطاً سياسية وشعبية لاتخاذ موقف حازم من أنقرة "لوقف انتهاكاتها المتكررة لسيادة البلاد" عبر كل السبل والخيارات المتاحة، من اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي وصولاً إلى قطع للعلاقات الدبلوماسية والتجارية في ظل شكوك حول "قدرة البلاد على تجاوز حدود بيانات التنديد".


دبلوماسية ضعيفة


يقول رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية أحمد الياسري، "يبدو أن تركيا منزعجة من القمة التي عقدت أخيراً في جدة وشعرت بالاستبعاد الأميركي، واتضح أن رئيس الولايات المتحدة يعمل حساباً لإيران ولا يقيم وزناً لتركيا، ومن ثم تحاول أنقرة أداء دور فاعل ومؤثر في الشرق الأوسط من خلال إرسال رسائل كانت أولها المشاركة في قمة طهران التي جرت قبل أيام بين رؤساء كل من إيران وتركيا وروسيا، وما جرى من اتفاق ينص على أن تبقى تركيا الحلقة الواصلة بين الغازين الروسي والإيراني، لذا يصعب استبعاد القصف الذي شنه الجيش التركي على المدنيين العراقيين من دائرة الرسائل الاستراتيجية".


ويضيف "العراق بإمكانه أن يستخدم هذا التمحور كورقة من خلال استثمار حالة التفاوت بين المجموعة الأميركية ومجموعة أنقرة لتشكيل حالة ضغط، ما سيدفع واشنطن وحلفاءها في المنطقة إلى استثمار العراق للضغط على أنقرة"، مستدركاً أن "كل ذلك يحتاج إلى وجود حكومة ودبلوماسية عراقية مستقرة، لكن حكومة مصطفى الكاظمي هي حكومة تصريف أعمال، والدبلوماسية العراقية يمكن تسميتها بالحزبية التي تعتمد على اللحظات ولا تملك استراتيجية متوسطة أو بعيدة المدى وهي حتى غير مفهومة، هل هي جزء من الفضاء الأميركي أم الروسي أم هي جزء مكمل لاستراتيجيات إيران، أم تتوافق مع الاستراتيجية السعودية؟ ولهذا السبب نجد أن العراق ليس له هوية بسبب ضعف دبلوماسيته".


تصعيد للتغطية على فضائح سياسية


يشير الياسري إلى "إمكان لجوء العراق لمجلس الأمن والأمم المتحدة لإلزام تركيا وليس فقط من أجل الضغط، ومن المتوقع أن يحصل تصعيد دبلوماسي لكن لا يمكن تقدير حدوده لصعوبة التعويل على حكومة الكاظمي". وتابع، "تصريف هذا الفعل داخلياً يمكن وصفه كقنبلة دخان، فموقف القوى المقربة من إيران تحديداً لا يتفاعل مع القصف التركي بسبب ضغوط طهران التي لا تريد من هذه القوى رفض أي استهداف، من أجل توفير ذريعة للعمليات التي تشنها هي أيضاً سواء ضد المسلحين الأكراد أو الضربات التي وجهتها قبل أشهر ضد إقليم كردستان وغيرها، لكن رأينا أن هذه القوى كلها اتفقت واصطفت على التصعيد، ما أعطى انطباعاً بأنها تستغل القضية للتغطية على التسجيلات الصوتية المسربة لرئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي (رئيس الوزراء السابق) وما جاء فيها من مصائب وقضايا حساسة وخطيرة من أجل المضي في تشكيل الحكومة الجديدة".


من جهته يقول "رئيس مركز التفكير السياسي في العراق" إحسان الشمري، "العراق يمتلك الخيارات للتحرك على جميع المستويات، وقد يكون العامل الاقتصادي الورقة الأكثر فاعلية". وأضاف أن "البلاد في حالة انتقال نحو مرحلة فارقة من خلال الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي، وهذا بحد ذاته عامل ضغط كبير على أنقرة التي طالما كانت تعتمد سابقاً على تفاهمات نسبية إلى حد ما حول طبيعة عملياتها تجاه مسلحي حزب العمال".


سقط العشرات من الضحايا جراء العمليات التركية المتواصلة منذ عام 2015، ودائماً ما كان يوصف موقف بغداد وأربيل بـ"الضعيف"، ويبرر الشمري تصاعد الموقف العراقي تلك المرة، بأن "الاستهداف المباشر لمواقع مدنية وسقوط ضحايا بهذا العدد الضخم كان مستفزاً للعراق بشكل كامل بعد استمرار انتهاك سيادة البلاد والمواقف الرسمية الضعيفة سابقاً، ما دفع لخلق رأي عام شعبي ورسمي باتجاه اتخاذ إجراءات فارقة".


غياب للإرادة السياسية


في ظل السياسة التركية وموقعها المؤثر على مستوى المنطقة والعالم بالمقارنة مع موقف العراق "الأقل تأثيراً" ضمن سياسة المحاور، يتوارد سؤال حول إمكان حصول بغداد على موقف إيجابي من مجلس الأمن؟ ويجيب الياسري أن "الأمر لا يتعلق بصغر وضعف دولة ما، فإذا ما حصل تدويل للقضية، على بغداد أن تستغل الأمر لتنظيم العلاقة مع أنقرة وحل معضلة ملف حزب العمال الكردستاني، ما سيخلق توازنا بين موقعي الدولتين"، لافتاً إلى أن "العراق في حال لجوئه إلى مجلس الأمن سيتحصل على موقف دولي فاعل لصالحه بحكم أن قضايا النزاعات الحدودية هو من صلب واجبات المظلة الدولية".


لكن في ظل غياب الإرادة الداخلية وانقسامها وعدم رغبة الكاظمي بإثارة مشكلة مع تركيا في هذا التوقيت باعتبار أن حكومته لتصريف الأعمال، وتخشى من خروج احتجاجات شعبية ضدها سواء من قبل أتباع التيار الصدري أو أنصار الثورة، يتفق الياسري مع الشمري على غلبة الخيار الدبلوماسي قائلاً "أتوقع أن يقبل الكاظمي باعتذار تركي ومطالبتها بتقديم تعويض عن الضحايا، وهذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً لأن أنقرة لديها أيضاً مشكلاتها في هذا التوقيت الحرج وتحتاج إلى دعم الغرب مع تدهور اقتصادها وهي بالأساس تحتاج للنفط العراقي ولن تضحي بعلاقتها مع بغداد".


أمنيات غير قابلة للتحقيق


العراقيون خاضوا سجالاً محموماً عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول السبل المتاحة للرد على أنقرة، وطرحوا خيار التلويح بقطع العلاقات التجارية معها "على الأقل جزئياً"، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 20 مليار دولار سنوياً إلى جانب وجود المئات من الشركات التركية العاملة في العراق.


الكاتب المحلل السياسي صالح الحمداني اعتبر في منشور له على "فيسبوك" التحرك الدبلوماسي بأنه "مجرد تخدير". وقال "أعتقد أن أفضل رد ممكن هو توجيه إنذار رسمي للقوات التركية بمغادرة العراق في مدة محددة وجعل أنقرة أمام خيار البقاء أو التحول إلى قوة محتلة وفق القانون الدولي، لكن هذه أمنيات لن تتحقق لأن الحكومات العراقية الضعيفة هي السبب الأساس بتجاوز تركيا وغيرها على السيادة العراقية". ونوه إلى "ثقل أنقرة في السياسة الدولية، فمن جهة تريد روسيا توثيق علاقتها مع تركيا سواء بسبب الأزمة الأوكرانية والعقوبات وسيطرة الأخيرة على مضايق مهمة في الدردنيل والبوسفور على البحر الأسود، وبإمكانها خنق روسيا فعلياً لو أرادت، ومن جهة عضويتها في حلف الناتو التي يحتاج إليها الغرب لتمرير أي قرار يتعلق بالحلف مثل إضافة السويد وفنلندا قبل فترة".


وتابع الحمداني "أنقرة وطهران تتحكمان بشكل كبير في العراق وحولتاه إلى سوق كبيرة لمنتجات البلدين، وأسهمتا بتدمير صناعته من خلال إغراق أسواقه بالمنتجات الرخيصة، واليوم تضرب السياحة الداخلية أيضاً". وختم أن "أنقرة مع غيرها من الجيران حرصت دائماً على أن تنتج بغداد حكومات ضعيفة غير قادرة على أن تخرج من شباك الحاجة إليها، والآن أصبح ماؤنا وطعامنا وأمننا و20 مليار دولار سنوياً من اقتصادنا بيدها، ناهيك بأجزاء كبيرة من أراضينا".

author-img
اخبار العراق

تعليقات

google-playkhamsatmostaqltradent